عمرو دياب |
كنت في سيارة إحدى صديقاتي المقربات والتي قررت أن نسمع راديو شعبي الجديد، ليأتي لنا صوته في أغنية: بنغني لمين يا حمام، فقالت: “إزاي عنده القدرة إنه يمسخ حتى الحاجة الحلوة!”.
يحمل لي صوت عمرو دياب كثيراً من النوستالجيا خاصة في أغانيه القديمة، حتى ألبوم علم قلبي. بعدها فقدت اتصالي بموسيقاه، فعلمت أن حتى سماعي له في الماضي كان من باب أن كل من في سني يسمع عمرو دياب! حتى هذه اللحظة عندما أسمع أغاني محددة له: حبيبي، عوّدوني وغيرها، أعود بذاكرتي إلى فترة مراهقتي والثانوية، فأبتسم لاأكثر. لا أستطيع الاستمرار في الاستماع له. أصبح بالنسبة إلي صوتاً بلا إحساس حقيقي. لا أحد ينكر نجاحه الكبير، لكن ذلك النجاح لا يمنع أبداً أن تكون متوسط الموهبة، تدعمها بمعطيات أخرى مثل العمل والجهد والطموح، هذا هو حال عمرو دياب من وجهة نظري، لا أحد ينفي عنه تلك الصفات، لكن بعيداً عن النوستالجيا التي ليست حكراً عليه، عندما أسمع صوت حميد الشاعري أو هشام عباس أشعر بالحنين نفسه، ما هو العامل الآخر بالنسبة إلي إذاً؟
الاستمرار، قدرته على الاستمرار على الرغم من أنه يكرر نفسه بشكل مزعج! كيف لا يكرر نفسه وقد قدّم 30 ألبوماً؟! أمي كانت دائما تشبّه عمرو دياب بأحمد عدوية، ليس من الناحية الموسيقية بالطبع! فالاثنان على طرفي نقيض. وجهة نظرها كانت تنصبّ في نقطة واحدة: كل منهما مرآة عصره بشكل مذهل، فالكلمات غير المفهومة في موسيقي عدوية وذلك النوع من الموسيقي الشعبية التي اختلفت تماماً عن عصر قنديل ورشدي والرقي فيما قدموه تعكس سنين الانفتاح الاقتصادي وانقلاب الهرم الاجتماعي، لكن لست هنا بصدد الكلام عن عدوية. عمرو دياب هو ابن عصره بجدارة، وتلك لها سيئاتها وحسناتها.
عمرو، ابن الثمانينيات والتسعينيات في مصر، تلك الفترة التي لا أشعر نحوها بالانتماء، موسيقى عمرو تعدّ مزيجاً بين ما هو شرقي وما هو غربي، وهذا ليس عيباً في حد ذاته، لكن فقد فيها التوازن حتى أصبحت موسيقى بلا هوية، تسمعها فلا تعلم جذورها، ذلك التمسح في الموسيقى الغربية جعل موسيقى عمرو ماسخة بلا طعم ولا لون، خاصة في الآونة الأخيرة.
ذلك العصر لا يستمر منه شيء لمدة طويلة، لن نرى رواية تعيش مثل روايات محفوظ، ولن نرى أغنية لعمرو دياب بعد خمسين عاماً، لا أجزم، لكن انظروا إلى حال سينما التسعينيات كمثال، ماذا تبقى؟ تلك موسيقى لم تُصنع كي تعيش. صوت عمرو دياب، صوت رنان، يرن بلا أي عمق، ذلك العمق الذي يمزق قلبك أو يتسلل إلى روحك فتشعر أنك جزء من الحالة.
حتى لقبه، الهضبة؟ لماذا الهضبة؟ سؤال يحيرني! من أين أتى ذلك التشبيه الغريب؟
تلك الفترة الزجاجية كل شيء فيها لامع ومبهر وملون لكن بلا هوية، بلا شيء ملموس وحقيقى. وقع عمرو دياب في فخ التكرار، في رأيي لم يقدم جديداً خلال العشر سنوات الماضية، وسوف يتكلم الجميع عن الميوزك أواردز أو تعاونه مع فنانيين من أنحاء العالم أو استخدام أغانيه في أفلام أجنبية، في حقيقة الأمر كل هذا لا ينفي عنه صفتَي التكرار والملل. حتى شكله الخارجي، مازال شكله شاباً وموسيقاه مكررة، فكأن الزمن لا يتحرك فتجمد وأصبح تمثالاً بلا روح. النضوج الفني ليس له علاقة بالشكل، ولكل سن جماله؛ لكن في حالة عمرو دياب كل شيء متصل ببعضه. يريد أن يصبح نجماً للمراهقين ويظل على ذلك الحال، لماذا رفضت أن تكبر مع الجيل الذي كبر معك؟ لا أعلم!
الحياة اختيارات بالطبع، وهو كفنان له مطلق الحرية فيما يقدمه للناس. لكن ما الجديد أو المدهش الذي قدمه عمرو دياب في العشر سنوات الأخيرة؟ لا شيء، الريتم الموسيقي نفسه، الطبلة والصقفة وصوته في الكورس الخلفي لأغانيه، الكلمات نفسها: بحبك، حبّيني، حضنك، الشوق، الوَحشة. كأنه يلعب كلمات متقاطعة بكلمات محددة يكون منها كل أغانيه! تحوَّل عمرو إلى تمثال من الشمع، تجمد عند نقطة معينة في الزمن، والزمن لا ينتظر أحداً، إما أن نجري معه، أو أن نسقط في دائرة مفرغة، مثل التي سقط فيها عمرو دياب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق